العقل في الاسلام
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }النحل
12
وقال اهل المعرفة: العقل جوهر مضي خلقة الله عز وجل فى الدماغ, وجعل نوره فى القلب يدرك به المعلومات بالوسائط و المحسوسات بالمشاهدة.
و ان العقل ينقسم الى قسمين: قسم لايقبل الزيادة ولا النقصان, وقسم يقبلهما.
فاما الاول فهو العقل الغريزى المشترك بين العقلاء, واما الثانى فهو العقل التجريبي وهو مكتسب وتحصل زيادته بكثرة التجارب والوقائع.
وباعتبار هذه الحاله يقال: ان الشيخ اكمل عقلا, واتم دراية, وان صاحب التجارب اكثر فهما وارجح معرفة, ولهذا قيل: من بيضت الحوادث سواد لمته, واخلقت التجارب لباس جدته, واراه الله تعالي لكثرة ممارسته تصاريف اقداره واقضيتة, كان جديرا برزانه العقل ورجاحة الدراية.
ويستدل على حصول كمال العقل فى الرجل بما يوجد منه ومايصدر عنه, فان العقل معنى لايمكن مشاهدته فان المشاهدة من خصائص الاجسام, فاقول: يستدل على عقل الرجل بامور متعددة منها: ميله الى محاسن الاخلاق, واعرضه عن رذائل الاعمال, ورغبته فى اسداء صنائع المعروف, وتجنبه مايكسبه عارا ويورثة سؤ السمعة.
وقد قيل لبعض الحكماء: بما يعرف عقل الرجل؟, فقال: بقلة سقطه فى الكلام, وكثر اصابته فيه, فقيل له: فان كان غائبا؟, فقال: باحدى ثلاث: اما برسوله, واما بكتابه, واما بهديته, فان رسوله قائم مقام نفسه, وكتابه يصف نطق لسانه, وهديته عنوان همته, فبقدر مايكون فيها من نقص يحكم به صاحبها.
واختلف الحكماء فى ماهيتة, فقال قوم: هو نور وضعه الله طبعا وغريزة فى القلب كالنور فى العين, وهو يزيد و ينقص, ويذهب و يعود, وكما يدرك بالبصر شواهد الامور كذلك يدرك بنور القلب المحجوب والمستور.
وعمى القلب كعمى البصر قال تعالي:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46
وقيل: محل العقل الدماغ, وهو قول ابي حنيفة رحمة الله تعالي. وذهب جماعه الى انه فى القلب كما روى عن الشافعى رحمة الله تعالي.
وقالوا: التجربة مراة العقل, ولذالك حمدت اراء المشائخ حتى قالوا: المشائخ اشجار الوقار لايطيش لهم سهم, ولا يسقط لهم فهم, فقد افادتهم الايام حيله و تجربة.
قال عامر بن عبد قيس: اذا عقلك عقلك عما لايعنيك فانت عاقل.
ويقال: لاشرف الاشرف العقل, ولا غني الا غني النفس. وقيل: يعيش العاقل بعقله حيث كان, كما يعيش الاسد بقوته حيث كان.
و دمتم بعقول نيره مستنيره,,