طبيب وباحث عراقي مقيم فيالسعودية
إنفيما فرض الله عز وجل على خلقه وشرع لهم من أحكام وعبادات حكماً وأسرارا ومصالحتعود على العباد بالخير في الدنيا والآخرة، وقد علمَّنا الله عز وجل في كثير منآيات الكتاب المبين أسرار تشريعه وفوائدها شحناً لأذهاننا أن تفكر وتعمل وإيحاءًإلى أن هذا التشريع الإلهي الخالد لم يقم إلاّ على ما يحقق للناس من مصلحة أو يدفععنهم ضرراً. والإسلام لا يتنكر للعقل ولا يخاطب الناس إلاّ بما يتفق مع التفكيرالسليم والمنطق السديد. ومابرح الناس في كل عصر يرون من فوائد التشريع ما يتفق معتفكيرهم ومصالحهم وهذا دليل على أن الإسلام من عند الله جلَّ وعلى.
وما سنذكره منأسرار وفوائد طبية للعبادات ليس لتبرير العبادات نفسها، فالأصل في العبادات التعبد،نقوم بها طاعة لله عز وجل وتقرباً إليه وإن لم تدرك أسرارها أو تعرف حكمتها، ولعلفي تتبع الفوائد والأسرار الطبية في العبادات ما يُثبِّت إيماننا ويقوي يقيننابحقائق هذا الدين وهذا ما سنجدهُ في هذه الأبحاث جلياً وواضحاً: قال تعالى: (قُلْنَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُواوَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل: 102].
الوضوء والاغتسال (الطهارةوالنظافة):
إذا كانت الطهارة و النظافة عند بعض الناس مسألة ذوقومزاج شخص أو ذات ارتباط بالحالة الاقتصادية للإنسان فهي في الإسلام تخضع لنظاممحدد يشعر الملتزم به بضرورة تنفيذه بدافع ذاتي مستمر، أوليس فاتحة كتب الفقهجميعاً باب الطهارة ؟!
والأسباب الداعية للغسل (الاستحمام) في الإسلام ثلاثةوعشرون سبباً بين الإيجاب والاستحباب، بل أن ثاني سورة في القرآن أنزلت تناديبالنظافة قال عز وجل(وثيابك فطهر) [المدثر: 4].
وقال عز وجل(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّالْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222] وقال أيضاً(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءًلِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىقُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)[الأنفال: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان)رواهالإمام مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم(من توضأ نحو وضوئي هذا ثمصلى ركعتين لا يحّدث فيها نفسهُ غُفر لهُ ما تقدم من ذنبه)رواه الأمامالبخاري.
و يمكنناأن نلخص تأثير الوضوء والغسل وفوائدهما بما يلي:
الوقاية من انتقال الكثيرمن الأمراض المعدية (السارية):
إن معظم هذه الأمراض تنتقل بتلوث الأيدي وأهمها ما يسمىبأمراض القذارة (Feco- Oral Route) ومنها التهاب الكبد الفيروسي و الهيضه (الكوليرا) والحمى التيفؤدية والزحار العصوي والأميبي والالتهاب المعوي بالعصيات القولونيةوتسمم الطعام الجرثومي، والتي تشكل أهم المشاكل الصحية في البلاد النامية، وهيمسئولة لحد كبير عن ارتفاع معدل الوفيات فيها وتعتمد الوقاية منها على النظافةالشخصية (غسل الأيدي قبل الطعام وبعد كل تغوط) قال صلى الله عليه وسلم: (بركة الطعام الوضوء قبلهُ والوضوء بعدهُ) [رواه الأمام مسلم]. والوضوء هنا بمعنى الغسل (غسل الأيدي).
تنشيط الدورة الدموية:
يقوم الوضوءوالاغتسال بتنشيط الدورة الدموية العامة و الجسد بتنبيه الأعصاب وتدليك الأعضاءوالعضلات من خلال دلك الجلد الذي هو أحد الأعضاء الهامة في الإنسان. كما قد ثبتأيضا أن الدورة الدموية في الأطراف العلوية من اليدين والساعدينوالأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها فيالأعضاء الأخرى لبعدها عنالمركز الذي هوالقلب فإن غسلها مع دلكها يقوي الدورة الدموية لهذه الأعضاء منالجسم مما يزيد في نشاط الشخصوفعاليته.
الوقاية من الكثير من الأمراض السارية التي تنتقل عن طريقالجهاز التنفسي (Droplet infection ):
عنأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (منتوضأ فليستنثر) [رواه الأمام البخاري]، وقال أيضاً(إذاتوضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر... وإذا أستيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبلأن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) [رواه الأمامالبخاري]، ومعنى قوله (فلبستنثر أو لينثر):أي ليجعل فيأنفه ماء ثم يخرجه نفخاً مما يساعد على نظافة المنخرين وطرد المواد الغريبةمنهما.
حيث بعدإجراء دراسات ميدانية تبين أن الأنف مستودع لتكاثر كثير من الجراثيم وباستعراض جميعالوسائل الصحية الوقائية المفيدة لتجنب تلوث الأنف بالجراثيم، تبين للأطباء أن غسلالأنف المتكرر خمسة مرات في اليوم أثناء الوضوء (الاستنثار) هو ابسطها وأنفعها مماجعل مجموعة من أطباء كلية جامعة الإسكندرية أن يقوموا بدراسة بحثية طبية عميقةاستغرقت عامين على مئات من المواطنين الأصحاء الذين لا يتوضأون وبالتالي لا يصلونواخذ عدد مساوٍ لهم من المنتظمين على الوضوء والصلاة.
وفحصت أنوفهم وأخذت مساحات منها لعمل زرعمختبري وفحص مجهري وكانت نتائج مدهشة نشرت في الأوساط العلمية داخل وخارج مصر وكانلها رد فعل إيجابي كبير، فقد ظهر فرق شاسع في الحالة الصحية لتجويف الأنف الداخليبين المجموعتين من حيث اللون والملمس والسطح ووجود الأتربة والعوالق والقشوروالإفرازات والأهم من ذلك: هو ظهور الأنف عند غالبية الذين يتوضأون باستمرار نظيفاًطاهراً خالياً من الجراثيم لخلو المزارع الجرثومية تماماً من أي نوع منها بينماأظهرت أنوف الذين لا يتوضأون مزارع جرثومية ذات أنواع متعددة وبكمياتكبيرة.
ونستنتج منالدراسة القيمة أعلاه أن الذين يتوضاؤن هم في وقاية لأنفسهم من الأمراض المعديةالتي تنتقل عن طريق المسالك التنفسية العليا ومن أهمها الأنف وكذلك فإنهم لا يشكلونمصدر عدوى في محيطهم ومجتمعهم بخلاف الذين لا يتوضاؤن ولا يستنثرون !!
المضمضة:
المضمضة هي إدخال الماء في الفم وإدارته في جميع أنحاه ثمإخراجه منه وهو من متطلبات الوضوء وقد ثبت أن المضمضة تحفظ الفم والبلعوم منالالتهابات، ومن تقيح اللثة، وتقي الأسنان من التنخر بإزالة الفضلات الطعاميةالعالقة بها، فقد ثبت علمياً أن 90% من الذين يفقدون أسنانهم قبل الأوان لا يهتمونبنظافة الفم حيث أن الصديد والعفونة في الفم عامل مهم جداً في تسبب كثير منالأمراض، وباستخدام السواك تزداد الصورة وضوحاً في عظمة دين الإسلام والحكمة منشرائعه، كما تبين أن المضمضة تنمي بعض العضلات في الوجه وقد تجعلهُ مستديراً... وهذا التمرين يذكره ويؤكد عليه القليل من أساتذة الرياضة لانصراف معظمهم إلىالعضلات الكبيرة في الجسم فقط.
الوقاية من سرطان الجلد:
كما ثبت أنتأثير أشعة الشمس في إحداث سرطان الجلد لا يصيب إلا الأماكن الظاهرة المعرضة لها،وفائدة الوضوء وتكراره يكفل ترطب سطح الجلد بالماء وخاصة الجزء المعرض للأشعة الشمسمما يحمي الخلايا الداخلية من التعرض للآثار الضارة لأشعة الشمس (Ultraviolet light)،وهذا مما يؤكد فضل الوضوء كسلاح للمسلم يحتمي به من هذا المرض،علماً أن سرطان الجلدبأنواعه خاصة الملون منها (Melanoma) هو أكثرأنواع السرطان شيوعاً وأخطرها في المجتمع الغربي وأمريكا واستراليا هو مرض غير شائعفي بلاد المسلمين رغم قوة أشعة الشمس فيها مما تشير إلى أهمية الوضوء وغسل الأعضاءبالماء للوقاية من هذه الإصابات وهذا يؤكد عظمة وصية الرسول صلى الله عليه وسلمبترك تجفيف الأعضاء بعد الوضوء من الماء.
تخليص البدن من الأوساخ:
ومن فوائدالوضوء والاغتسال تخليص البدن من الأوساخ والأدران العالقة به وخاصة الأجزاءالمكشوفة منه وباستمرار، ومن ثم تحفظ وظائف الجلد من أن تتعطل، وندرك هذه الفائدةبمعرفتنا لوظائف الجلد المتعددة ومنها كخط الدفاع الأول للجسم: فقد أثبتت دراسةأجرتها منظمة الصحة العالمية أن استعمال الماء النظيف فقط في الغسل من الماء يزيلحوالي 90% من الجراثيم وبدون الحاجة إلى إضافة المطهراتوالمعقمات!!
وقد قالرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى مندرنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال صلى الله عليه وسلم: فذلك مثل الصلواتلخمس يمحو الله بهن الخطايا) [متفق عليه].
فالصلوات الخمس وما تتطلبه من وضوء وطهارةقبلها كشرط لصحتها تخلص البدن من الأدران الخارجية العالقة بالجسد وكذلك تخلص وتنقيالنفس من الأدران الداخلية (الذنوب والمعاصي) أيضاً.