ثق بربك لا بنفسك

الثقة بالنفس...
كلمات جميلة براقة...


كلمات يرسم لها الخيال في الذهن صورة جميلة ..ظلالها بهيجة...


تعال معي أيها القارئ الكريم نتأمل جمالها:


-إنها صورة ذلك الإنسان الذي يمشي بخطوات ثابتة وجنان مطمئن...


-إنها صورة ذلك الصامد في وجه أعاصير الفتن ...


- إنها صورة ذلك المبتسم المتفائل برغم الصعاب ...


-إنها صورة ذلك الذي يجيد النهوض بعد أي كبوة ....


-إنها صورة ذلك الذي يمشي نحو هدفه لايلتفت ولا يتردد ...


ما أجملها من صورة !


لذلك تجد الدعوة إلى( الثقة بالنفس) منطلقا لترويج كثير من التطبيقات


والتدريبات... فكل أحد يطمع في أن أيمتلكها ... وكل أحد يود لو


يغير واقع حياته عليها ...






ولكن توقف معي لحظة وتأمل هذه النصوص :






{ إياك نعبد وإياك نستعين } الفاتحة آية:5


{ وخلق الإنسان ضعيفا } النساء آية : 28


{ ولا تقولن لشئ إني فاعل ذالك غدا(23) إلا أن يشاء الله }الكهف آية: 23


{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } فاطر آية: 15


{ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } الإنسان آية: 1


وتفكر معي في معاني هذه الدعوات المشروعة:


-اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك


-أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي ...


-اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك فإنك تعلم ولا أعلم ...


-اللهم لا حول ولا قوة لي إلا بك ...


-اللهم إني أبرا من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك ...


-اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي...


-اللهم لاتكلني طرفة عين ولا أقل من ذلك فأهلك...


-اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك...


ألا ترى معي أيها القارئ الكريم أن النفس فيها تتربى على أن تعرف بعجزها


وفقرها... وتقر بضعفها وذلها ولكها لا تقف عند حدود هذا الإعتراف


فتعجز وتحبط وتكسل وإنما تطلب قوتها من ربها وتسعى وتعمل وتتذلل لمن


بـ (كن) يقدرها على مايريد.. ويلين لها الحديد .. ويعطيها فوق المزيد ..


هذه -يا أحبة - هي طريقة الإسلام في التعامل مع النفس والترقي بها


وتتخلص في:


أولا: تعريفها بحقيقتها فقد الله من عدم وجبلها على ضعف وفطرها على


النقص والاحتياج والفقر .


ثانيا: دلالتها على المنهج الذي يرفعها من هذا الضعف والفقر الذي جبلت


عليه لتكون برغم صفاتها هذه أكرم خلق الله أجمعين !! تكريما تجاوز به


مكانة من خلقهم ربهم من نور وجبلهم على الطاعة ونقاهم من كل خطيئة


(الملائكة الأبرار)!!!


ثالثا: تذكيرها بأن هناك من يريد إضلالها عن هذا الطريق بتزيين غيره مما


يشتبه به لها وحذرها من اتباعه.. وأكد لها عداوته..


وأبان لها طرق مراغمته..


إنه المنهج الذي تعترف فيه النفس بفقرها وذلها وتبرأ من حولها وقوتها


وتطلب من مولاها عونه وقوته وتوفيقه وتسديده .. فيعطيها ـ جل جلاله ـ


ويكرمها ويعليها ...


منهج تعترف فيه بضعفها وا حتياجه وتستعين فيه بخالقها ليغنيها ويعطيها ..


ويقيها شر ما خلقه فيها .. فيقبلها ويهديها ويسددها ويرضيها ..


منهج تتخذ فيه النفس أهبة الاستعداد لعدوها المتربص بها ليغويها فتستعيذ


ربها منه وتدفعه بما شرع لها فإذا كيده ضعيف وإذا قدراته مدحورة عن عباد


الله المخلصين.. فقد أعاذهم ربهم وكفاهم وحماهم هو مولاهم


فنعم المولا ونعم النصير ...


إنه منهج قارون:{ إنما أوتيته على علم عندي } القصص آية: 78



إنه منهج الأبرص والأقرع :(إنما ورت هذا المال كابرا عن كابر )


إنه منهج يتبرأ صاحبه أن يكون خصيما مبينا لربه الذي خلقه ورباه بنعمه


أو ينازعه عظمته وكبرياءه ...


إنه منهج لا يتوافق مع مذهب (القوة) الذي يقول زعيمه نيتشه: سنخرج


الرجل السوبرمان الذي لايحتاج لفكرة الإله؟!


إنه منهج يصادم منهج الثيوصوفي وليام جيمس ومذهبه البراجماتي .. وأتباعه


باندلر وجرندر ومن بعدهم:(أنا أستطيع.. أنا قادر.. أنا غني.. أنا


أجذب قدري..)..


تأمل هذا أيها القارئ الكريم ولا يشتبه عليك


قول الله ــ عزوجل ــ:{ وأنتم الأعلون } آل عمران آية: 139 فقد قال بعدها


{ إن كنتم مؤمنين } فمنه يستمد العلو...


وبدوام الإلحاح والطلب منه تتحقق الرفعة....




احذر ــ أخي ــ ولا يشتبه قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ((المؤمن القوي


خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )) رواه المسلم فالمؤمن القوي ليس قويا


من عند نفسه ولا بمقومات شخصيته وتدريباته وبرمجته للاوعي!


وإنما هو قوي لاستعانته بربه وثقته في موعوداته الحقة...


تأمل كلمات القوة من موسى ــ عليه السلام ــ أمام البحر والعدو وراءه


{ قال كلا إن معي ربي سيهدين } الشعراء آية: 62 ثقته ليست بنفسه وقد


أعطي ــ علية الصلاة والسلام ــ من المعجزات وخوارق العادات ما


أعطي !!!


وإنما ثقته بتوكله على الذي يستطيع أن يجعله فوق قدرات البشرية بل يجعل


لعصاة الخشبية قدرات لا يستطيعها أساطين الطقوس السحرية ...


تأمل أخي الكريم هذه الكلمات النبوية ((استعن بالله ولاتعجزن..))رواه مسلم





إنها كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم يربي أمته على المنهج الإيجابية والفاعلية ليس



على طريقة أهل البرمجة اللغوية العصبية ..



لم يقل: تخيل قدرات نفسك...


لم يقل: أيقظ العملاق الذي في داخلك وأطلقه ...


لم يقل: خاطب اللاواعي لديك برسائل إيجابية وبرمجه برمجة وهمية ...


وإنما دعاك ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى طريق الربانية:((استعن بالله ولا


تعجزن)) رواه مسلم



فاستعن به وتوكل عليه ولا تعجزن بنظرك إلى قدراتك وإمكاناتك فأنت


بنفسك ضعيف ظلوم جهول.. وأنت بالله قوي .. أنت بالله قادر ..


أنت بالله غني ...



فثق بربك لا بنفسك.. توكل على ربك لا على قدراتك ...


ومن هذا الوجه ومن منطلق فهم معاني العبودية وفقه النصوص الشرعية


قال الشيخ الكريم والعلامة الجليل بكر أبو زيد ـ حفظه الله ـ في كتابه


( المناهي اللفظية ) : إن لفظة الثقة بالنفس لفظة غير شرعية ووراءها


مخالفة عقدية ...


الخاتمة:


وإن رجوت ـ في زمان تخلف عام يعصف بالأمةـ رفعة وعزة ونهضة وإيجابية


وإن أردت تواصلا ـ على الرغم من الصعاب ـ بفاعلية...


وإن رغبت في نفض الإحباط عنك والتطلع إلى الحياة بنظرة استشرافية


تفاؤلية فعليك بمنهج العبودية على الطريقة المحمدية ودع عنك طريقة باندلر


وجرندر الإلحادية فوراءها ثقة وهمية ممزوجة بطقوس سحرية وقدرات تواصل


مادية تشهد على فشلها فضائحم الأخلاقية ومرفعاتهم القضائية التي ملأت



سيرته الذاتيه,فحذار من هذه التبعية إلى حجر الضب الذي حذرك منه نبيك


في الأحاديث النبوية وحذار من استبدال الطريقة الربانية بتقنيات البرمجة


العصبية فإنها من حيل إبليس الشيطانية وتزيينه للفلسفات الإلحادية


لتتكل على نفسك الضعيفة وقدراتك البشرية فيكلك لها رب البرية


ويمدك في غيك بحصول نتائج وقتية والشعور بسعادة وهمية ...


حتى تنسى الافتقار الذي هو لب العبودية فتحرم من السعادة الحقيقة التي


تغنى بها من وجدها وبين الأسباب حيازتها فقال :


ومما زادني شرفا وتيها
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي
وإن صيرت أحمد نبيا



وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..


لكم ودي

جزاكي الله خيرا على هذا الموضوع الرائع ...........


وشكرا على الموضوع ...........



مع تحياتي ............ صعب المنال